[٣] صارت من أقرب النساء إلى الخليفة المهدي بعد الزواج، و ولدت له هارون المعروف بالرشيد وهو الخليفة العباسي الأشهر بين خلفاء الدولة المتطاولة الأمد ، وموسى الذي سُمّي بالهادي عند توليه الخلافة، وبعد إنجابها لموسى وهارون صارت أقرب إلى الخليفة من أيّ وقت مضى، وصار لها تصرّف بما تشاء من أمور الخلافة الداخلية ولكن بحدود معروفة للنساء، وكانت كلمتها في القصر مثل كلمة زوجها الخليفة المهدي.
[١] الدور السياسي للخيزران بنت عطاء في الخلافة إنّ الخيزران هي من النساء اللواتي برزن في عالم السياسة في العصر العباسي حتى صار اسمهن علم يُعرف من خلاله العصر الذي تعيش فيه، مثلها مثل زبيدة زوجة الرشيد وغيرهما، وفيما يأتي تلخيص لحياتها السياسية خلال العصر العباسي. مناصب الخيزران بنت عطاء لم يكن للخيزران مناصب تبوّأتها خلال العصر العباسي، فلم تكن دولة الخلافة العباسية مثل الإمبراطوريات الأجنبية تكون فيها زوجة الملك ملكة، وإنّما تكون زوجة الخليفة كالخليفة في النهي والأمر ضمن حدود القصر وأحيانًا خارج حدود القصر، فكانت الخيزران في عهد محمد المهدي زوجها لها نهي وأمر على كلّ مَن في القصر، وكانت ترسل الغلمان والجواري فيقضون لها ما شاءت، وكانت خزائن الدولة تحت تصرفها تأخذ منها ما تشاء وترسل الهبات والأعطيات كالتي أرسلتها للواقدي حين كان في مجلس المهدي، فقد حضر مجلس المهدي وخرج من عند الخيزران غاضبًا فحدّثه بغضبه من الخيزران. أدرك الواقدي هنا أنّ المقام يجب أن يكون مقام تطرية وتهدئة من روع الخليفة، فصار يذكّره بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النساء، وأنّ الرجل العاقل يجب أن يتصرّف معهنّ على نحو ما أمرت به الشريعة، فسكن بذلك غضب الخليفة ووصل الواقدي بألفي دينار، وعند عودته لبيته جاءه رسول الخيزران ليعطيه ثياب وألفي دينار كذلك.
وهذا كله غيض من فيض، إذ لم يقتصر دور الخيزران على كونها محبوبة المهدي المدللة وأم خلفاء المستقبل، وسيدة الحريم الأولى في القصر، بل كان لها دور قوي في تدبير شؤون الدولة والحكم، وكانت تشارك زوجها كل قراراته من خلف الكواليس. فكانت تختلط برجال الدولة وتتخذ قرارات مفصلية في الحكم، كما أنها قربت أسرتها ومكنت أفراد عائلتها في الدولة العباسية، فولت أخاها غطريف حكم اليمن وزوجت شقيقتيها لأميرين صاحبي شأن في الدولة. حرب الأم وولدها في العام 785 توفي المهدي بينما كان في رحلة خارج بغداد مع ولديه الهادي والرشيد. وعندما وصل النبأ إلى الخيزران، جمعت الوزراء على الفور وأخذت البيعة لابنها الهادي قبل وصوله إلى المدينة لتأمين حكمه. وكما كانت الخيزران تسيطر على المهدي وتدبر شؤون دولته من خلفه، أرادت أن تلعب الدور ذاته مع ولدها الهادي، فاستمرت في تسيير أمور البلاد حتى أنها كانت تتفرد أحياناً باتخاذ القرارات دون الرجوع إلى ولدها ومشاورته وكانت تتدخل في تعيين كبار الضباط والولاة والحكام. لكن الهادي لم يكن راضياً كوالده بهذا الحال، وقد جن جنونه بسبب تدخل أمه في الحكم وحاول جاهداً إبعادها وتقليص نفوذها، إلا أنه فشل في ذلك فقد كانت قوة الخيزران أعظم من قوة الخليفة آنذاك.
تلقب بـ»أم الخلافة العباسية»، لأن من نسلها جاء كل الخلفاء العباسيين.. عُرِفت بالحظوة في عهد زوجها الخليفة المهدي وتميّزت بالذكاء الحاد والسطوة والشخصية القوية.. إنها الخيزران بنت عطاء. بعد وفاة زوجها المهدي، أصبح نفوذها في دواليب الحكم في خطر بسبب ابنها موسى الهادي، فدار بينهما صراع لمدة سنة كاملة، انتهى بوفاة هذا الأخير وتولي شقيقه هارون الرشيد زمام السلطة. حامت الكثيرُ من الشبهات عن دور الخيزران في ظروف الوفاة الغامضة، هل قضت على ابنها موسى الهادي من أجل تعبيد الطريق للآخر، هارون الرشيد؟ قدّم المؤرخون معطيات تؤكد أن الصراع بين موسى الهادي ووالدته كان شعاره «قاتلا أو مقتولا»، لكنّ آخرون يؤكدون أن وفاته كانت طبيعية وأن ضلوع والدته في قتله مجرد رواية مُلفـّـَقة. اختلف المؤرخون في أصلها، فمن قائل إنها يمانية من بلدة جرش، في جنوب عسير، وهناك من ينسبها إلى الأمازيغ من المغرب، والثابت أنها كانت جارية عند المهدي، أعتقها وتزوجها، بعد أن وقع في غرامها. كانت الخيزران رائعة الجمال، دقيقة القوام، طاغية الأنوثة، راجحة العقل. وكانت أثيرة عند الخليفة المهدي ومُقـدَّمة على نسائه وكانت مسموعة الكلمة عنده، ولها دالة واسعة عليه ولم تلد امرأة خليفتين غيرُها.. فعلى غير عادة العرب، نجحت الخيزران في إقناع زوجها بتعيين ولديها وريثين شرعيَّـيْن له واستبعاد أبناء النساء الأخريات، وخاصة أبنائه من ابنة عمه الخليفة السفاح.
بتصرّف. ↑ خير الدين الزركلي، الأعلام ، بيروت:دار العلم للملايين، صفحة 328، جزء 2. بتصرّف.
[٦] المراجع [+] ↑ كردي، أمل محي الدين (2014)، دور النساء في الدولة العباسية (الطبعة الأولى)، عمان، صفحة 6. ↑ سولاف فيض الله حسن (٢٠١٣)، دور الجواري والقهرمانات في دار الخلافة العبّاسية ، عمّان: المنهل، صفحة 73. بتصرّف. ↑ ابن كثير الدمشقي (2015)، البداية والنهاية ، القاهرة: دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، صفحة 170، جزء 5. ↑ عبد أ علي مهنا (١٩٩٥)، معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الكتب العلمية، صفحة 82. بتصرّف. ↑ "خلافة محمد المهدي وموسى الهادي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف. ↑ الطبري (2017)، تاريخ الطبري ، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 373، جزء الخامس.
لكن رغم ذلك، كان الهادي بارا بأمه، كثير الطاعة لها، وظل على طاعته لها حتى مضت أربعة أشهر على خلافته، فكان طمعُ الناس يزداد في شفاعة الخيزران ونفوذ كلمتها في الدولة العباسية، حتى قال المؤرخ المسعودي في كتابه "مروج الذهب"[4]: "كانت المواكبُ لا تنفض عن بابها، ففي ذلك يقول الشاعر: يا خيزُرانَ هَناك ثم هَنَاك ** إنّ العباد يسُوسُهم ابناكِ".
ظلت الخيزران تتدخل طيلة عقود في شؤون السياسة ودهاليز القصور في عصر زوجها المهدي وأبنائها، حتى وقع الصدام الشهير بينها وبين ابنها موسى الهادي الذي سئم تدخلها في الشؤون السياسية، بل وفي الفصل بين الناس، وقضاء الحوائج، حتى أضحت صورته أمام العامة والخاصّة هي صورة الخليفة الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئا، فمن هي الخيزران اليمنية؟ وكيف أصبحت زوجة الخليفة المهدي بن أبي جعفر المنصور؟ ثم كيف أمسى نفوذها السياسي عظيما لدرجة وقوف الناس صفوفا أمام قصرها لقضاء حوائجهم جارية تتسلط على الرقاب ي أعناق الرجال ومصائرهم. لم تلد امرأة خليفتين عباسيينِ سوى الخيزران بنت عطاء الجرشية اليمنية، وكانت في الأصل أمَة عُرضت على الخليفة المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور (158-169هـ)، فقال لها: "والله يا جارية، إنّكِ لعلى غاية التمنّي، ولكنّك خمْشَة الساقين (أي ضعيفة الساقين). فقالت: يا مولانا، إنك أحوجُ ما تكون إليهما لا تراهما. فقال: اشتروها. فحظيت عنده، فأولدها موسى وهارون"[1]ومن هذه الحظوة ارتفعت مكانة الخيزران عند زوجها الخليفة المهدي، وأصبح لها بمرور الوقت دور سياسي متنامٍ، حتى صار إليها الأمر والنهي، وكانت الوفود تأتي إلى قصرها في بعض الأحيان قبل أن تذهب إلى الخليفة نفسه، وفي هذا يقول بعض المؤرخين: "إنّ الخيزران كانت متبسّطة (متحكّمة) في دولة المهديّ تأمر وتنهي، وتشفع وتُبرم وتُنقض، والمواكب تروح وتغدو إلى بابها"[2].
[٤] كانت الخيزران تقضي حوائج الناس من دون الرجوع للخليفة المهدي، وكانت تستقبل الهدايا أيضًا وكانت الهدايا التي تُعطى لها عظيمة القدر، فمرة ذكروا أنّ من الناس من أرسل لها بهدايا لتزكّيه عند الخليفة، فأرسل لها -فيما ذكروا- مئة وصيف بيد كل واحد منهم جام من الذهب مملوء بالمسك، فردّت عليه بقولها: "إن كان ما بعثتَ به إليَّ من هديَّتك ثمنًا لرأي فيك فقد بخستَني القيمة، وإن كان استزادةً فقد استغششتَني في المودَّة"، وردّت عليه هديّته. [٤] الخلاف مع ابنها الهادي ذكروا في خلافها مع ابنها الهادي الكثير من الروايات، منها ما يؤكّد حقيقة الخلاف ومنها ما ينفيه جملة وتفصيلًا، فقالوا إنّ الخيزران كانت ذات شأن وحظوة عند المهدي والد موسى الهادي، فلمّا تولى الهادي الخلافة انفردت بكثير من أمور الحكم وصارت تستقبل الوفود والأمراء وتجمع حاشية القصر وتأمرهم وتنهاهم، فساء ذلك الهادي فأنّبها وأغلظ لها القول فانتقمت منه بأن دسّت له السم في الطعام، [٤] وقيل بل غضبت منه لمّا أراد خلع أخيه هارون عن ولاية العهد وقتله، وكان المهدي قد عقد ولاية العهد لابنيه من بعده، فأرسلت له جواري قتلنَه وهو في مرضه الأخير. [٥] قيل لم يكن هنالك خلاف ولم تكن تكرهه بل هو عندها في المنزلة مثل أخيه هارون، وإنّما كانت وفاته بسبب قرحة أصابته توفي على إثرها، وقد صلّى عليه أخيه هارون وتسلّم الخلافة من بعده، وقد كانت منزلة الخيزران عنده مثل منزلتها عند المهدي بل وأكثر من ذلك؛ كونها كانت والدته وحقّها عليه ليس كحق الزوجة على زوجها.